الاثنين، 30 يونيو 2014

الخلافة والإمامة والوهم (3/3)

نشر في صحيفة الجمهورية - عدد الأربعاء 15 فبراير-شباط 2012

سبق وقلنا: إن الإمامة والرياسة والحكومة من ضرورات الاجتماع لا من ضرورات الدين، وفي هذا رد على دليل آخر للقائلين بوجوب هذه المناصب وجوبا دينيا، هو دليل العقل. وإن كان دليل العقل عند أهل السنة يقع في منزلة متأخرة عن منزلة الإجماع، إلا أنه عند الشيعة الإمامية عمدة أدلتهم في إثبات الإمامة الإلهية لأئمتهم المعصومين، وإثبات وجود المهدي المنتظر، صاحب الزمان وحجة الله على خلقه!. بدعوى أن العقل قد دل على أن الله سبحانه وتعالى لا يجوز عليه أن يترك الخلق بلا هداة مهديين، وإلا وقعوا في الضلالة.. وفي هذا الطرح عجائب كثيرة، سمها إن شئت تناقضات، أو سمها إن شئت تجليات الصناعة اليدوية للعقائد الدينية!.

1 - فهم من ناحية يقولون: إن الإمام المعصوم ضرورة دينية، وأن العقل وحده لا يغني عن وجوده. فإذا سألتهم: من أخبركم بذلك؟ قالوا: العقل..!. إذن فإن العقل هنا مقدم على الإمام، وهو الأصل الذي يرجع إليه في إثبات الإمامة والولاية والمهدوية، وكل العقائد الشيعية الخاصة؟ فكيف لا يكون هذا الأصل _ وهو بهذه المنزلة عندكم _ بديلا عن الإمام؟!. كيف يكون العقل حجة في إثبات الأصول لديكم ولا يكون حجة في فهم الفروع والجزئيات، التي زعمتم أنها من وظائف الإمام؟!.

2 - ولا ندري لماذا دل العقل على وجوب الإمامة الإلهية عندكم وحدكم، ولم يدل غيركم على هذه الضرورة العقلية؟!. وكيف تعد الإمامة من الضرورات العقلية، بالرغم من أن معظم الخلق لا يقولون بها؟!. ولمن لا يعرف معنى الضرورة العقلية، نقول: هي ذلك النوع من الأحكام التي لا يختلف عليها اثنان في هذه الدنيا. فقولنا: إن 2 + 2 = 4 هو من الضرورات العقلية، وقولنا: إن الجزء أصغر من الكل، أو استحالة أن يكون الشيء موجوداً وغير موجود في الوقت نفسه، هي من الأحكام الضرورية في العقل، والمناطقة يقولون: إن هذا النوع من الأدلة أقوى من الأدلة الحسية نفسها، لأنه لا يحتمل الشك مطلقا. فهل مقولة الإمامة أو المهدوية من جنس هذه الأحكام؟. لا أظن أحدا لديه عقل يجرؤ على الإجابة بنعم.

3 - ثم إن إخواننا الشيعة لم يخبرونا حتى الآن، لماذا ترك الله خلقه بلا إمام منذ القرن الرابع الهجري؟. ولماذا قد يطول به الغياب آلافا من السنين القادمة؟!. أو ما فائدة مجيئه بعد ذلك، وقد ذهب معظم الخلق في غيبته؟!. بل ما جدوى اليوم الآخر نفسه ما دام المنتظر الحجة سيحقق العدل كله والخير كله في الدنيا، كما يقولون؟!. بل ما قيمة أن يتحقق هذا العدل وذاك الخير في آخر الزمان، بعد أن ذهبت معظم أجيال الإنسانية إلى الموت، دون أن تكحل عينيها برؤية هذا الفردوس الأرضي العظيم؟!. هل آخر أجيال الإنسانية أحب إلى الله من أولها وأوسطها وجزء كبير من آخرها، حتى يمنحها هذه الميزة؟!.

4 - وبجانب هذا كله، لم يخبرونا ما الشيء النوعي المميز الذي حققه أئمتهم الذين مضوا للناس، ولم يستطع غيرهم تحقيقه، وهم الأئمة المعينون من قبل الله تعالى!. لقد مضى منهم أحد عشر إماما (عند الأثني عشرية) من مجموع إثني عشر إماما، فهل اختلف فقههم جوهريا عن فقه أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي؟. وهل كانت لهم فلسفة في مستوى فلسفة أرسطو وأفلاطون وكانط وغيرهم من البشر العاديين؟. وما طبيعة الهداية التي حققوها لمجتمعاتهم آنذاك بصورة نوعية لم تتحقق عند المجتمعات الأخرى؟. لماذا لم يستطيعوا _وهم الأئمة المختارون من قبل الله_ أن يكشفوا عن أسرار القرآن الكريم، وفي مقدمتها أسرار الحروف المقطعة في أوائل السور على سبيل المثال؟. وغيرها من الأسئلة التي لن يجدوا لها جوابا شافيا إلا عند مخترعي هذه الأفكار أنفسهم..!

إن تاريخ الإمامة السياسية الدينية عند الفرق الشيعية جميعا (الاثني عشرية، والسبعية، والزيدية) بعد القرن الأول الهجري، يكشف عن نوعين من الأئمة على الأقل: النوع الأول، أئمة فقه ودين لم يمارسوا السلطان السياسي بأي صورة من الصور، ومعظم هؤلاء من الفقهاء الصالحين، الذين لم يضيفوا إلى حياة الناس شيئا جوهريا، ولا حققوا في مجتمعاتهم نقلة نوعية تميزهم عن غيرهم من فقهاء المسلمين. والنوع الآخر، أئمة فقه وحكام دول ساروا في الناس سيرة غيرهم من الحكام، فكان منهم العادل الزاهد، وكان فيهم الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا، وكان فيهم الظالم الجهول، والسفاح المبين. والصالحون فيهم لم يكونوا شيئا مميزا بين الخلق. بحيث يمكن القول: إن الله الحكيم قد اختارهم بطريقة ما دون غيرهم من الناس.
ولا يحتاج المرء لأكثر من شهادة التاريخ في الحكم بزيف دعوى الإمامة السياسية الدينية بكل أشكالها. مرددين مع المعري أبياته الشهيرة:
زعم الناس أن يقوم إمام ناطق في الكتيبة الخرساء..
كذب الزعم لا إمام سوى العقل مشيراً في صبحه والمساء..
أما قولهم: إن العقل وحده، بزمالة القرآن الكريم، لا يكفيان لهداية الإنسان، فهو كلام يصدق عليه بيت المعري الآخر:
هذا كلام له خبيء معناه ليست لنا عقولُ.!..
فقد صنع العقل من المعجزات ما لم يصنعه الأنبياء، فما بالك بالأئمة المفترى على بعضهم، والأئمة المفترين على بعضنا..!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق